أسباب الإمساك عند الرضع

أسباب الإمساك عند الرضع: فهم شامل للحالة وتأثيراتها وطرق التعامل معها

يُعدّ الإمساك من أكثر المشكلات الشائعة التي تُصيب الرضع في مراحل نموهم الأولى، ويُشكّل مصدر قلقٍ كبيرٍ للوالدين نظراً لما يُسبّبه من ألم، وانزعاج للطفل، وارتباك في تفسير الأعراض. فالرضيع لا يستطيع التعبير عن انزعاجه بالكلام، وإنما يُظهر ذلك بالبكاء المستمر، وتيبّس البطن، أو تغيّرات في نمط النوم والرضاعة، مما يجعل اكتشاف المشكلة والتعامل معها مسؤولية تقع على عاتق الأهل. يُشير مصطلح “الإمساك” في مرحلة الرضاعة إلى صعوبة في تمرير البراز أو انخفاض في عدد مرات الإخراج مقارنةً بالنمط الطبيعي للرضيع، وهو أمر يتباين باختلاف المرحلة العمرية ونوع التغذية.

إن فهم الأسباب الدقيقة الكامنة وراء الإمساك عند الرضع يُشكّل أساساً جوهرياً لتقديم الرعاية المناسبة وتجنّب المضاعفات التي قد تطال صحة الطفل العامة. في هذا المقال، سنستعرض أبرز الأسباب العضوية والسلوكية والتغذوية للإمساك، مع تسليط الضوء على الفروقات بين الإمساك الطبيعي والمرضي، ودور التغذية والنمو العصبي والهضمي، وأهمية التدخل المبكر.

طبيعة الإخراج الطبيعية عند الرضع

قبل استعراض الأسباب، لا بد من التمييز بين النمط الطبيعي للإخراج لدى الرضع، وما يمكن اعتباره إمساكاً. فعدد مرات التبرز يختلف باختلاف عمر الطفل ونوع الرضاعة، كالآتي:

يُعدّ الرضيع مصاباً بالإمساك إذا لوحظت صعوبة في الإخراج، براز صلب وجاف، انزعاج أثناء التبرز، وانتفاخ في البطن، حتى وإن لم تنخفض عدد المرات بشكل ملحوظ.

الأسباب الشائعة للإمساك عند الرضع

1. تغيّر نوع الحليب

يُعتبر تغيير نوع الحليب من الأسباب الرئيسية في حدوث الإمساك، سواء بالانتقال من الرضاعة الطبيعية إلى الحليب الصناعي أو تبديل نوع الحليب الصناعي المستخدم. بعض التركيبات الصناعية تحتوي على نسب مرتفعة من الحديد أو بروتينات قد تُبطئ حركة الأمعاء.

2. نقص السوائل

الرضع عرضة للجفاف بشكل كبير، خصوصاً في الأجواء الحارة أو عند الإصابة بنزلات البرد أو الحُمّى. الجفاف يؤدي إلى امتصاص الجسم لكميات أكبر من الماء من البراز داخل القولون، مما يُحوّله إلى كتلة صلبة يصعب إخراجها.

3. الانتقال من الرضاعة إلى الطعام الصلب

في المرحلة التي تبدأ فيها الأم بإدخال الأطعمة الصلبة، عادة في الشهر السادس، قد يُعاني الرضيع من الإمساك نتيجة عدم تعوّد الجهاز الهضمي على بعض أنواع الطعام أو لقلة الألياف في النظام الغذائي الجديد.

4. نقص الألياف في الغذاء

إدخال أغذية منخفضة الألياف مثل الأرز الأبيض أو الموز أو التفاح المهروس بشكل مفرط يمكن أن يعيق حركة الأمعاء. تحتاج الألياف إلى كميات كافية من الماء كي تُشكّل كتلة لينة تُسهّل عملية الإخراج.

5. قلة الحركة

الأطفال الرضّع الذين لا يتحركون كثيراً، خاصةً من يعانون من حالات طبية تحدّ من النشاط الحركي مثل الشلل الدماغي، يُصبحون أكثر عرضة للإمساك نظراً لدور الحركة في تنشيط الجهاز الهضمي.

6. اضطرابات عضوية في الأمعاء أو القولون

قد يُشير الإمساك الشديد أو المزمن عند الرضع إلى وجود عيوب خلقية مثل داء هيرشسبرونغ (Hirschsprung’s Disease)، الذي يُؤدي إلى غياب الأعصاب المسؤولة عن تحريك القولون في جزء من الأمعاء، أو إلى تضيق شرجي خلقي.

7. رد فعل لمكونات الحليب (حساسية حليب البقر)

تُعد حساسية بروتين الحليب من الأسباب المهمة، وتُسبب اضطرابات متعددة في الجهاز الهضمي منها الإمساك أو الإسهال، التقيؤ، والمغص. وهي شائعة أكثر لدى الرضّع الذين يتناولون حليب البقر أو تركيباته.

8. تناول الأدوية

بعض الأدوية التي قد تُوصف للرضع مثل مكملات الحديد أو مضادات التشنج أو أدوية الألم قد تُسبب الإمساك كأثر جانبي.

9. عوامل نفسية وسلوكية

قد يُعاني بعض الرضّع من الإمساك نتيجة القلق، أو نتيجة تجارب إخراج مؤلمة سابقة، مما يؤدي إلى محاولة الطفل تجنب التبرز، وهي حلقة مفرغة تؤدي إلى تفاقم الحالة.

الفرق بين الإمساك الطبيعي والمرضي عند الرضع

مضاعفات الإمساك غير المعالج

• شق شرجي: نتيجة صلابة البراز وحدوث جروح أثناء الإخراج.

• تدلي المستقيم: بسبب الضغط الزائد أثناء التبرز.

• فقدان الشهية: بسبب امتلاء القولون وصعوبة الهضم.

• انفجار القولون في حالات نادرة جداً مثل داء هيرشسبرونغ غير المشخص.

• نوبات بكاء شديدة واضطراب النوم.

عوامل تساهم في التخفيف من الإمساك

1. تحسين نوع الغذاء

• للأطفال دون 6 شهور: اعتماد الرضاعة الطبيعية أو استخدام حليب صناعي منخفض الإمساك بتوصية الطبيب.

• للأطفال بعد 6 شهور: تقديم الفواكه الغنية بالألياف مثل الكمثرى والخوخ، وتجنب الأطعمة المسببة للإمساك مثل الأرز الأبيض أو الجزر المسلوق بكثرة.

2. زيادة كمية السوائل

• تقديم الماء النقي للرضع بعد الشهر السادس.

• للأصغر من ذلك، يمكن تعديل جدول الرضاعة أو زيادتها لتفادي الجفاف.

3. الحركة الخفيفة

• ممارسة تمارين الرجلين على شكل “دراجة” للمساعدة في تنشيط حركة الأمعاء.

• وضع الطفل على البطن لبعض الوقت تحت المراقبة لتحفيز الحركة.

4. التدليك البطني

• تدليك بطن الرضيع بحركات دائرية باتجاه عقارب الساعة بلطف يُساعد على تنشيط الأمعاء وتخفيف الغازات والإمساك.

5. الحمام الدافئ

• يساعد على استرخاء عضلات البطن والشرج، ويُقلل من التوتر المرتبط بالتبرز.

التدخلات الطبية

يجب عدم استخدام أي أدوية أو ملينات بدون وصفة طبية، إلا بعد استشارة طبيب الأطفال. في الحالات الشديدة، قد يصف الطبيب:

• تحاميل الجلسرين (للأطفال) لتليين البراز.

• ملينات مخصصة للرضع في حالات محددة.

• تحاليل طبية أو أشعة لتشخيص حالات مرضية كامنة إذا كان الإمساك مستمراً أو متكرراً.

خلاصة علمية

الإمساك عند الرضع ليس مجرد حالة مؤقتة يمكن التغاضي عنها، بل قد يكون مؤشراً على تغيّر مهم في النظام الغذائي أو الوظائف الجسدية، وقد يُخفي خلفه مشكلات صحية أكبر. يتطلب الأمر وعياً من الأهل، وتدخلاً مبكراً يقوم على الملاحظة الدقيقة والاستجابة السريعة لأي تغيّر في نمط التبرز أو السلوك العام للرضيع. في معظم الحالات، يمكن السيطرة على الحالة باتباع خطوات بسيطة تتعلّق بالتغذية والروتين اليومي. لكن في حال استمرّ الإمساك أو ترافق مع أعراض أخرى مقلقة، يجب التوجه إلى الطبيب دون تأخير.

المراجع:

1. Mayo Clinic. (2022). Infant Constipation: Causes and Treatments.

2. American Academy of Pediatrics. (2021). Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5.